د.عبد الكريم بن محمد الحسن بكار
تحدثت في المقال السابق عن ثلاث نقاط تتعلق بمسألة المراجعة الشخصية، وفي هذا المقال أعرض لباقي ما لديّ في هذا الشأن:
4- سيظل من مهامنا الشخصية الأساسية العمل على إدراك الفرق بين ما هو كائن في أوضاعنا الشخصية، وبين ما ينبغي أن نكون عليه. وتنبع أهمية هذه المسألة من كونها المصدر الأساس لبلورة وعينا بالطموحات والتطلعات والأحلام التي تحركنا، وتحدد اتجاهاتنا. البداية ستكون في محاولة تحديد الوضعية القائمة الآن، وذلك من خلال طرح عدد من الأسئلة، من مثل: كيف أقيّم درجة التـزامي بأمور ديني؟ هل أنا ممن يستفيدون من أوقاتهم على نحو جيد؟ هل رؤيتي للمستقبل واضحة؟ هل أوظف طاقاتي على نحو جيد؟ هل أعطي علاقاتي مع الناس حقها من الرعاية والاهتمام...؟ هل ...؟
ليست عملية تقييم الحالة الراهنة لأي واحد منا بالأمر السهل كما نرغب أن تظهر في معظم الأحيان، لكن أعتقد أن المرء مهما كانت معاييره غامضة، يظل يمتلك من الأحاسيس والمشاعر والمؤشرات ما يمكّنه في النهاية من الحصول على أشياء ذات قيمة؛ والله –عز وجل- يقول: (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:14-15). بعد هذا ننتقل إلى تحديد ملامح الوضعية التي نتطلع أن نكون عليها في مختلف شؤونها ومن الواضح جدًا في هذا السياق أن معظم الناس لا يعرفون ماذا يريدون؛ إن لديهم أحلامًا وتطلعات، لكنها غير محددة، ولا يملكون للوصول إليها أي برامج أو توقيتات زمنية معينة، وهذا هو السبب الذي يدفعهم إلى التحدث عما لا يريدون، وعن الأشياء التي لا تعجبهم، ولا يرتاحون إليها.
الذين يعرفون ماذا يريدون تشكل طموحاتهم ما يشبه الهاجس، وهم باستمرار يسألون، ويستشيرون، ويتعلمون. قد يكون مما يساعد على تحديد الوضعية التي نتطلع إليها –السعي إلى تحديد عدد من المجالات المتعلقة بحياتنا الشخصية، مجال السلوك الشخصي، مجال الحياة الأسرية، مجال العمل، مجال الحياة الاجتماعية، مجال الصحة الجسمية، مجال الثقافة والصحة العقلية والنفسية الخ... وفي كل مجال من هذه المجالات وغيرها نحاول أن نحدد ما الذي نريد الحصول عليه. من خلال معرفة ما هو كائن ومعرفة الذي نريده أن يكون تتضح لنا المسافة الفاصلة بينهما. وهي مسافة تشبه المساحة الفاصلة بين الصحة والمرض.
5- تتضمن عملية مراجعة الحالة الشخصية العمل على محاولة فهم القناعات التي يحملها كل واحد منا ومراجعتها على نحو دقيق. حين نكون في المرحلة العمرية الأولى فإننا نكون مستعدين لتصديق كل ما نرى، وكل ما نسمع، ومع الأيام تتراكم لدينا الخبرات، ونبدأ بتشكيل قناعاتنا حول مختلف المسائل المطروحة. والذي أود التأكيد عليه، هو أنه ليس هناك أي ضمانة لصحة وصواب ما تشكّل لدينا من قناعات ومسلّمات حول أساليب العمل، وحول المجدي من غير المجدي من محاولات التجديد والإصلاح؛ وذلك لأن الأساس الذي نبني عليه قناعاتنا في هذه القضايا، يظل يتسم بالنسبة والهشاشة. وهذا يعني أن نعتقد أن المراجعة دائمًا ممكنة، وقد تكون مفيدة.
والذي يهمنا هو مراجعة القناعات التي تسبب لنا القوة والقناعات التي تسبِّب لنا الضعف. إن عقولنا وهي تحاول إنتاج المفاهيم التي تساعدها على معالجة الأشياء، كثيرًا ما تنتج الأوهام والمقولات الزائفة، وهذا من القصور المستولي على جملة البشر. ومن واجبنا التحرر من الأوهام وامتلاك المفاهيم التي نحاكم إليها القناعات.
من القناعات التي تسبِّبُ لنا القوة الآتي :
- لم أستخدم بعدُ كل إمكاناتي، ولم أستثمر كل طاقاتي الكامنة.
- ما من حالة ولا وضعية إلا وهي درجة من التحسين.
- من خلال المثابرة في العمل أستدرك على ما يكون لديّ من نقص.
- العلاقات الحسنة مع الناس باب من أبواب الرزق.
- في فضل الله –تعالى- ما يكفي الجميع، ولذلك فلا داعي للحسد.
- ما أكتسبه من معارف وخبرات أهم مما ورثته عن آبائي من إمكانات.
- ما عند الله –تعالى- يُنال بطاعته، وليس بمعصيته.
- ما يُغلق باب إلا ويُفتح باب آخر.
ومن القناعات التي تسبب الضعف:
- لست مؤهّلاً لاحتلال مناصب قيادية.
- لا فائدة من كثرة المحاولة مع معظم المشكلات التي تواجهني.
- الذين حولي يكرهونني من غير سبب واضح.
- العمل مع الناس متعب والأفضل الاستقلالية.
- أنا لا أفهم إلا في المجال الفلاني، ومن الصعب تعلّم شيء في غيره.
- لم يبق في العمر ما يستحق البدء بمشروع جديد.
6- لا يكتمل وعينا بأنفسنا، ولا نستطيع مراجعتها على النحو المطلوب إذا لم نقيّم الأساس الذي تقوم عليه سلوكاتنا على نحو عام. وذلك الأساس قد يكون راشدًا، وقد يكون سيئًا، يعبر عن الضياع والضعف. ومن هنا فإن على الواحد منا أن يحاول إدراك ما يكون من تصرفاته عبارة عن استجابة لأحكام الشرع والعقل، وما يكون منها عبارة عن استجابة لأحكام الغريزة والشهوة والمصلحة.
بهذا التساؤل اليومي والمستمر تنتعش الرقابة الذاتية لدى الواحد منا، كما تقوى حاسّة النقد الذاتي. وإذا استجبنا لهذا الوعي الجديد، وبدأنا في تكثير الاستجابات الراشدة، وتقليل الاستجابات الغريزية، فإننا نكون قد وضعنا أنفسنا في سياق الارتقاء الذاتي وإصلاح الأخطاء الشخصية التي طال أمدها.
من خلال الوعي والعزيمة والمثابرة ومن خلال المحاسبة والتدقيق والمراجعة نحصل –بإذن الله تعالى- على ثمرات كنا نعدها من جملة الأحلام والأمنيات؛ بفضل الله.
تحدثت في المقال السابق عن ثلاث نقاط تتعلق بمسألة المراجعة الشخصية، وفي هذا المقال أعرض لباقي ما لديّ في هذا الشأن:
4- سيظل من مهامنا الشخصية الأساسية العمل على إدراك الفرق بين ما هو كائن في أوضاعنا الشخصية، وبين ما ينبغي أن نكون عليه. وتنبع أهمية هذه المسألة من كونها المصدر الأساس لبلورة وعينا بالطموحات والتطلعات والأحلام التي تحركنا، وتحدد اتجاهاتنا. البداية ستكون في محاولة تحديد الوضعية القائمة الآن، وذلك من خلال طرح عدد من الأسئلة، من مثل: كيف أقيّم درجة التـزامي بأمور ديني؟ هل أنا ممن يستفيدون من أوقاتهم على نحو جيد؟ هل رؤيتي للمستقبل واضحة؟ هل أوظف طاقاتي على نحو جيد؟ هل أعطي علاقاتي مع الناس حقها من الرعاية والاهتمام...؟ هل ...؟
ليست عملية تقييم الحالة الراهنة لأي واحد منا بالأمر السهل كما نرغب أن تظهر في معظم الأحيان، لكن أعتقد أن المرء مهما كانت معاييره غامضة، يظل يمتلك من الأحاسيس والمشاعر والمؤشرات ما يمكّنه في النهاية من الحصول على أشياء ذات قيمة؛ والله –عز وجل- يقول: (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:14-15). بعد هذا ننتقل إلى تحديد ملامح الوضعية التي نتطلع أن نكون عليها في مختلف شؤونها ومن الواضح جدًا في هذا السياق أن معظم الناس لا يعرفون ماذا يريدون؛ إن لديهم أحلامًا وتطلعات، لكنها غير محددة، ولا يملكون للوصول إليها أي برامج أو توقيتات زمنية معينة، وهذا هو السبب الذي يدفعهم إلى التحدث عما لا يريدون، وعن الأشياء التي لا تعجبهم، ولا يرتاحون إليها.
الذين يعرفون ماذا يريدون تشكل طموحاتهم ما يشبه الهاجس، وهم باستمرار يسألون، ويستشيرون، ويتعلمون. قد يكون مما يساعد على تحديد الوضعية التي نتطلع إليها –السعي إلى تحديد عدد من المجالات المتعلقة بحياتنا الشخصية، مجال السلوك الشخصي، مجال الحياة الأسرية، مجال العمل، مجال الحياة الاجتماعية، مجال الصحة الجسمية، مجال الثقافة والصحة العقلية والنفسية الخ... وفي كل مجال من هذه المجالات وغيرها نحاول أن نحدد ما الذي نريد الحصول عليه. من خلال معرفة ما هو كائن ومعرفة الذي نريده أن يكون تتضح لنا المسافة الفاصلة بينهما. وهي مسافة تشبه المساحة الفاصلة بين الصحة والمرض.
5- تتضمن عملية مراجعة الحالة الشخصية العمل على محاولة فهم القناعات التي يحملها كل واحد منا ومراجعتها على نحو دقيق. حين نكون في المرحلة العمرية الأولى فإننا نكون مستعدين لتصديق كل ما نرى، وكل ما نسمع، ومع الأيام تتراكم لدينا الخبرات، ونبدأ بتشكيل قناعاتنا حول مختلف المسائل المطروحة. والذي أود التأكيد عليه، هو أنه ليس هناك أي ضمانة لصحة وصواب ما تشكّل لدينا من قناعات ومسلّمات حول أساليب العمل، وحول المجدي من غير المجدي من محاولات التجديد والإصلاح؛ وذلك لأن الأساس الذي نبني عليه قناعاتنا في هذه القضايا، يظل يتسم بالنسبة والهشاشة. وهذا يعني أن نعتقد أن المراجعة دائمًا ممكنة، وقد تكون مفيدة.
والذي يهمنا هو مراجعة القناعات التي تسبب لنا القوة والقناعات التي تسبِّب لنا الضعف. إن عقولنا وهي تحاول إنتاج المفاهيم التي تساعدها على معالجة الأشياء، كثيرًا ما تنتج الأوهام والمقولات الزائفة، وهذا من القصور المستولي على جملة البشر. ومن واجبنا التحرر من الأوهام وامتلاك المفاهيم التي نحاكم إليها القناعات.
من القناعات التي تسبِّبُ لنا القوة الآتي :
- لم أستخدم بعدُ كل إمكاناتي، ولم أستثمر كل طاقاتي الكامنة.
- ما من حالة ولا وضعية إلا وهي درجة من التحسين.
- من خلال المثابرة في العمل أستدرك على ما يكون لديّ من نقص.
- العلاقات الحسنة مع الناس باب من أبواب الرزق.
- في فضل الله –تعالى- ما يكفي الجميع، ولذلك فلا داعي للحسد.
- ما أكتسبه من معارف وخبرات أهم مما ورثته عن آبائي من إمكانات.
- ما عند الله –تعالى- يُنال بطاعته، وليس بمعصيته.
- ما يُغلق باب إلا ويُفتح باب آخر.
ومن القناعات التي تسبب الضعف:
- لست مؤهّلاً لاحتلال مناصب قيادية.
- لا فائدة من كثرة المحاولة مع معظم المشكلات التي تواجهني.
- الذين حولي يكرهونني من غير سبب واضح.
- العمل مع الناس متعب والأفضل الاستقلالية.
- أنا لا أفهم إلا في المجال الفلاني، ومن الصعب تعلّم شيء في غيره.
- لم يبق في العمر ما يستحق البدء بمشروع جديد.
6- لا يكتمل وعينا بأنفسنا، ولا نستطيع مراجعتها على النحو المطلوب إذا لم نقيّم الأساس الذي تقوم عليه سلوكاتنا على نحو عام. وذلك الأساس قد يكون راشدًا، وقد يكون سيئًا، يعبر عن الضياع والضعف. ومن هنا فإن على الواحد منا أن يحاول إدراك ما يكون من تصرفاته عبارة عن استجابة لأحكام الشرع والعقل، وما يكون منها عبارة عن استجابة لأحكام الغريزة والشهوة والمصلحة.
بهذا التساؤل اليومي والمستمر تنتعش الرقابة الذاتية لدى الواحد منا، كما تقوى حاسّة النقد الذاتي. وإذا استجبنا لهذا الوعي الجديد، وبدأنا في تكثير الاستجابات الراشدة، وتقليل الاستجابات الغريزية، فإننا نكون قد وضعنا أنفسنا في سياق الارتقاء الذاتي وإصلاح الأخطاء الشخصية التي طال أمدها.
من خلال الوعي والعزيمة والمثابرة ومن خلال المحاسبة والتدقيق والمراجعة نحصل –بإذن الله تعالى- على ثمرات كنا نعدها من جملة الأحلام والأمنيات؛ بفضل الله.